الخميس، 23 فبراير 2012

الحجر الأسود و عبادة النيازك عند العرب!



الصدمة الحارقة

تخيّل لوهلة، أنك تقف في الصحراء، في الربع الخالي تحديدًا، وتوجّه نظرك شمالاً وغربًا خلال فترة الغسَق، لا ترى شيئًا سوى تلال لا متناهية من الرمال،لا زرع، ولا حيوان، ولا إنس ولا جن. درجة الحرارة تبلغ 50 درجة مئوية، على الرغم من أن الشمس غابت قبل نصف ساعة.

فجأة، وبدون مقدّمات يظهر لك نورٌ ساطعٌ في السماء،يبدأ بشرارة تنفجر وتتفرّق إلى أربع جهات، وخلال ثوانٍ، ترتفع درجة الحرارة إلى 1500 مئوية وثيابك تحترق ولا تستطيع أن تتنفس! بعدها بثوانٍ، تسمع الصوت الذي يخرق طبلتي أذنيك. الآن أنت أصم وشبه أعمى وعارٍ والنيران تشتعل من حولك. في اللحظات الأخيرة من حياتك تسأل نفسك وأنت مذهول، يا للهول! ماذا حدث، ماذا حدث؟! ما حدث يا عزيزي هو أنك شاهدت في لحظات حياتك الأخيرة ارتطام نيزك ولّد طاقة تقدَّر بـ 12 كيلو طن على بعد 5 كيلو متر من حيث كنت واقف أنت وجملك.
يقدّر علماء الجيولوجيا أن نيزك ضخم ارتطم بالرمال في الربع الخالي من الجزيرة العربية قبل 2000 سنة على الأقل. حجم الخندق الذي خلفه النيزك هو 2 كيلومتر مربع تقريبا. الخندق مليء بحجارة سوداء أو ما يسمى "شوكد كوارتز" او الكوارتز المصدوم والناتجة عن الحرارة الهائلة التي نتجت عن ارتطام النيزك بالرمال. هي بالتحديد رمال محترقة. أول من وصف موقع ارتطام النيزك في الربع الخالي هو الجيولوجي الإنجليزي هاري فيلبي في 1932 والذي اتفق على تسميته لاحقا "حدث وابر" نسبة إلى المدينة التي يعتقد أنها كانت في مكان ما في هذه المنطقة.
ما علاقة عاد و ثمود بالموضوع؟
هناك قصة في القرآن عن قوم من مدينة اسمها أوبار يحكمها ملك اسمه عاد، حسب القرآن فإن قوم عاد هلكوا بسبب غيوم حالكة ورياح عاتية نتيجة سخرية ملكهم من أحد رسل الله. يقول القرآن: «وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية، سخّرها عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيام حسومًا، فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية، فهل ترى لهم من باقية» الحاقة.
سكن قوم عاد جنوب المنطقة التي سقط فيها النيزك الذي أُطلق عليه مكتشفه اسم "حدث وبار"، كما أن وصف القرآن والحديث أن الكارثة التي حدثت اشتملت على رياح حارقة تتفق تمامًا مع عوارض سقوط نيزك بحجم وبار، إذ ما سيقتل المخلوقات في محيطه ليس النيران بحد ذاتها بقدر ارتفاع درجة حرارة الهواء والضغط المصاحب لهذه الحرارة. الشعور هو بالضبط وكأنك واقف مباشرة خلف محرّك جمبو 747 وهي على وشك الإقلاع. شعور ليس جميل بالتأكيد.
عندما وصل فيلبي إلى الموقع في 1932 كان يبحث عن مدينة أوبار القديمة، وكان يتمنى أن يجد آثارًا إنسانية مثل أواني وأدوات أو حوائط ، لكنه لم يجد أي شيء من هذا، ما وجده هو أحجار شديدة السواد وبأحجام مختلفة منتشرة على مسافة تزيد عن الكيلومتر قليلاً. في البداية خمن فيلبي أنها بقايا أحجار كريمة استخدمت للزينة، لكن قبل أن تكتمل فرحته، جاءه أحد المرشدين البدو بحجرة سوداء بحجم الأرنب!! أمسك بها فيلبي وعاينها وهو يقول لنفسه: "يستحيل أن تكون هذه زينة. حجمها كبير جدًا لهذا الغرض. ما هذه الأحجار السوداء بحق السماء؟ وكيف لها أن تكون في وسط الرمال؟ "ما كان لا يعلمه فيلبي هو أن هذه الأحجار هي من السماء. لكن بقى الموضوع سرًا حتى 62 عامًا.

همر: سيارة المواقف الصعبة
في 1998،نشرت مجلة ساينتيفيك أميريكان التقرير التالي: في مايو وديسمبر 1994 نظّمت شركة زاهد للمعدات الثقيلة، الوكيل الحصري لسيارات همر في السعودية آنذاك رحلات بسياراتها إلى الربع الخالي في منتصف الصيف، كنوع من الدعاية لوكالتهم الجديدة ولإثبات أن جيب همر يتحمل أقسى الظروف، وللمزيد من الدعاية دعت وكالة همر فريق من إدارة المسح الجيولوجي الأمريكية والذين كانوا سعداء لتلبية الدعوة، كونهم سيذهبون إلى نفس المكان الذي وطأه فيليبي في 1932 وبدون الاعتماد على الجمال والبدو والذين استبدلوا بالهمر و الـ ج بي إس.
استغرقت الرحلة من الرياض إلى الربع الخالي 17 ساعة فقط، بفضل الهمر. لو كان جيبًا عاديًا لاستغرقت الرحلة خمسة أيام على الأقل ولو كانت الرحلة على ظهر الجمال لأخذت أشهر، لكن هذا لم يجعلها رحلة سهلة، كلا، فدرجة الحرارة في منتصف النهار بلغت 60 درجة مئوية في الظل وأربعه من أصل ستة همر فيهم تكييف! أحد أعضاء الفريق "وين" خرج من الخيمة في منتصف النهار ليعمل مسح جيومغناطيسي للمنطقة. عمل "وين" تحت الشمس لمدة ساعة تقريبًا، عندما عاد إلى الخيمة كان يمشي مترنحًا و يهذي باللغتان العربية والإنجليزية! لم يستعد "وين" وعيه إلا بعد أن سكبنا علية الماء البارد ووضعناه أمام جهاز التكييف، كما أفاد قائد الفريق.
الرمال المصدومة
لا، لا أعني مصدومة بسبب تلقيها أخبار سيئة. هناك ظاهرة يسميها علماء الجيوفيزيا "الكوارتز المصدوم" وباختصار الكوارتز المصدوم هي رمال تعرضت لضعط عالٍ جدًا وبشكل مفاجئ. هناك سببان لوجود مثل هذه المعادن على سطح الأرض. الأول هو انفجار نووي فوق الأرض، والثاني هو ارتطام نيزك بالأرض. عندما يرتطم نيزك بالأرض يخلق ضغطٍ عالٍ في منطقة الارتطام وعند فحص هذه المنطقة والتي تكون على شكل حفرة يلاحظ وجود صخور سوداء بأحجام مختلفة. هذه الحجار قد تنتشر لعدة كيلومترات حول منطقة الارتطام حسب حجم النيزك وزاوية الارتطام .

ما دخل الرمال المصدومة بالحج و قبيلة محمد؟
قبل الإسلام، كان لكل قبيلة كعبتها الخاصة بها والتي تحتضن حجرًا أسودًا، وكان الطواف حول كعبة القبيلة سبع مرات وتقبيل الحجر الأسود جزء مهم من تقاليد القبائل، كما كانت تلك الكعبات مؤشر لبريستيج القبيلة، فالقبيلة التي تملك كعبة تؤمها أعدادًا كبيرة هي أرفع مكانة من مثيلتها التي تملك كعبة شبه مهجورة، وكانت الكعبة التي ترجع لقبيلة قريش من أهم كعبات جزيرة العرب انعكاسًا لمكانة القبيلة وأهمية مكة التجارية.

عندما جاء الدين الإسلامي إلى جزيرة العرب أعطيت كعبة مكة مكانةً أعظم من غيرها لدى أتباع دين محمد، عن طريق ربطها بالمعتقدات الإبراهيمية مثل القول بأن آدم هو أول من بنى الكعبة عند نزوله من السماء ومن ثم أعيد بناؤها مرة أخرى بواسطة إبراهيم و ابنه إسماعيل. إنه من الجدير بالذكر أن لا أحدًا خارج الدين الإسلامي يؤمن بهذه القصص، كما أنه لا توجد أية أدلة أو آثار لهذه الأساطير. إن كل ما هو معروف، أن كعبة مكة كانت موجودة قبل الإسلام وكذلك طقوس الحج والتي تحرم الغزوات خلال شهر معين ليتسنى للقبائل الذهاب إلى مكة للتسوّق والطواف حول الكعبه عراة للتبارك بالحجرالأسود أملاً في تنشيط الحرث والنسل، وعندما جاء الإسلام، أبقى محمد أغلب الشعائر الوثنية كما هي، كالحج والطواف والإحرام والنحر و تقبيل الحجر الأسود وغير ذلك من الممارسات الوثنية، ويُعتقد أن محمد تركها ليعلّي من مقام قبيلة قريش التي ينتمي إليها ويضمن ولاء العرب لهم جميعًا بعد تحطيم جميع كعباتهم وأحجارها السوداء وإرغامهم على زيارة كعبة قبيلته فقط. جنت قريش ثمارهذا التكتيك حتى بعد ممات محمد ولمدة طويله، إذ ليس فقط انتعشت مكة اقتصاديًا بسبب الحج، بل جميع خلفاء محمد السياسيين ولقرون انحدروا من قريش وليس من أية قبيلة أخرى!
ما فعله ابن قريش البار محمد كان "خبطة معلم" من الدرجة الأولى، كما يقول المصريون، لأنه ضمن رفعة أبناء قبيلته وأسرته على سائر الخلق إلى أبد الآبدين وبمباركة الرحمن تعالى، فنرى نتائج هذه الحركة القبليه البحتة مستمرّة إلى هذا اليوم، حيث يسمي بعض العرب والعجم، ممن يدعون نسب الرسول، يسمون أنفسهم سادة أو أشراف وكأن بقية البشر هم من العبيد والرعاع وسقط المتاع، و لعل حكمة هذا التكتيك العبقري لأبي القاسم وفاعليته لم تغب عن حكام مكة الحاليين (آل سعود) والذين سمّوا دولتهم باسم العائلة و قرنوا لقب رئيس الدولة بخدمة كعبة قريش وحجرها الأسود. بمعنى آخر، آل سعود هم قريش القرن العشرين وما بعده ولهم ألقاب ومزايا وكرامات لا يحصل عليها أي مسلم سواهم، مهما بلغت درجة إيمانه.

الأسود ماسح الخطايا
لا أحد يعلم بالتأكيد سبب تقديس المسلمين للحجر الأسود، بل حتى الخليفة الثاني لمحمد، عمر بن الخطاب، استغرب من حكاية تقبيل الحجر الأسود وتُروى عنه مقولة، أنه فعلها لمجرد رؤية ابن عمه محمد يقوم بالشيئ ذاته! لكن من ناحية أخرى، يرى بعض المسلمين أن الحجر الأسود له قدرات خارقة مثل شفاء الأمراض المستعصية والشفاعة أمام الله يوم القيامة لمن يقبلها، بل ذهب البعض إلى القول، أن لون الحجر كان في الأصل أبيضًا، ثم تحوّل إلى السواد، نتيجة امتصاصه ذنوب البشر! وفي المقابل يعتقد البعض الآخر أن الحجر الأسود هو مجرد علامة، تمكّن الحاج من حساب عدد مرات الطواف فلا يطوف أقل أو أكثر من المطلوب، كما هو حال السبحة بالضبط، والتي تُستخدم لتحديد عدد المرات التي يسبّح بها العبد باسم الرحمن ضمانًا لحسن الخاتمة.
من هنا، نجد أن التفسير المنطقي الوحيد للحجر الأسود هو أنه قطعة من نيزك، ربما وبار أو غيره، والتي اعتبرها العرب قبل الإسلام رسالة من السماء يجب تقديسها، ثم جاء الإسلام ليقنّن هذه الطقوس، دون إعطاء أي سببٍ منطقي لها، وهكذا استمر المسلمون بهذا التقليد الوثني الأصل، دون سؤال عن منشئه أو أصله، لأن السؤال عن هذا التقليد سوف يفتح الباب لأسئلة أخرى، مرتبطة بالموضوع ذاته، وهذا ما لا يريده من لهم مصلحة في استمرار الوضع القائم على ما هو عليه.
نوافكو
©2006
_______
مراجع:

http://en.wikipedia.org/wiki/Wabar_craters
 - Wikipedia

تقرير مختصر لرحلة الربع الخالي من إدارة المسح الجيولوجي

http://www.usgs.gov/newsroom/article.asp?ID=1043